الاستاذ / عبدالله هادي سبت
ذكر الأستاذ عبدالله هادي سبيت تحت عنوان هامشي ((دوافعي محدودة)) حيث قال : (( وتنقضي أشهر و أنا في دوامتي الجديدة ناسياً دوامتي العاصفة التي لم أشاء ان أثيرها على نفسي و لم تقترب من حدودي مطلقاً وسبب ذلك أنني لم استلم من المنطقة أي جواب ولم أحاول ان ابعث بأي جواب لأنني أعلم أن رد الفعل سيكون قوياً بالنسبة لمحمد سعيد الأليف الودود الذي لم أكن أعرف حقيقته حتى ذلك الحين وبعده بمراحل .
ويفهم الأخوان أنني أتهيأ حتى الآن لاستجلاب عائلتي و جزآهم الله خيراً أنهم لم يثيروا ذلك الموضوع و لو أثاروه مره لوافقت و لو حضروا لتأزمت أحوالي جد جداً وربما اضطررت الى الرجوع وسأتعب و إياهم أكثر و أكثر , لقد بدأت أكتشف إنني لا طاقة لي بإدارة شئون نفسي فما بالك بمن أعول.
و يا تيني جواب من محمد سعيد يشرح لي ما حدث وكيف أستلم جوابي المطول ولم يعاتبني حتى بلفظة واحدة عن موقفي الذي أقدمت عليه وكيف إني غادرت البلاد و لم أشعره حتى و لو بنيتي على العزم لا بتحديد وقت المغادرة , ولقد تأكدت ان معنى هذا أن الحرج الذي أحدثته في نفسيته كان عميقاً جداً و فلنتركه للأيام ففي دورة الأيام نعم المراهم ومع الرد عرضت عليه أن يتكرم بالإرسال ((هكذا)) بولده محمود لأقوم بتدبير شئونه ليواصل دراسته .
لقد كان علي ان اعتذر أولاً عن عدم استطاعتي طلب العائلة حتى مع علمي إنها لن توافق على الوصول لأنها أعرف بطريقتي الارتجالية في تسيير شئون منزلي وهذه بلاد الغربة كما يقولون )).
وقال : (( ويصلني المستر جورج المفرز لدى لجنة الإنعاش الزراعي ذات يوم ليرى منزلي وليفاجئني بأنه تقرر إرسال طلال بن علي سبيت مع محمود , وأفقر فمي من هول المفاجأة , ويلاحظ الرجل ذلك ولكنه يقول ان محمد سعيد قد أحرج إحراجاً شديداً لأن اللوم عليك وعليه كان شديداً ومن جميع الجهات , فطلال اكبر من محمود , وكان الأجدر بك إن تطلبه هو لا محمود , فإذا بك تطلب محموداً فقط .
و كنا قد انتقلنا من الزمالك الى شقة في شارع محمد بك عوف بالعمارة رقم 30 بالعجوزة كان ذلك لأن السلطان قد غادر فلة الأحلام التي وصفتها لك بالزمالك .. غادرها سامحة الله بعد ان عرض عليه مالكها أن يشتريها منه بالتقسيط , تصور ولو بالتقسيط و لم يكن إي داعي لذكر التقسيط فالسلطان في ذلك الوقت يملك ثمنها , أو بالأصح يستطيع أن يدبر ثمنها في أسرع وقت وبأيسر السبل , وكم ندم السلطان مؤخراً على ما كان منه لقد كانت فرصة مواتية و الثمن رمزي تقريباً معه ..
و يستمر الأستاذ عبدالله هادي سبيت في الحديث عن الذكريات تحت عنوان هامشي (( البحث عن حل لشغل أفكاري )) قال : (( أن الاتصالات جادة لفتح مكتب للحزب ولكنها تتطلب وقتاً ليس باليسير , وحتى الآن وأنا أقضي وقتي أما بقاً في المنزل أو في الخروج للنزهة التي بدأت أملها أو في الذهاب لانتظار خروج السلطان لأذهب معه إن لم يكن سبب الخروج مقابلة رسمية أو الفسحة محروسة السيد طاهر علي الزواوي الذي لم يصافحني يوماً إلا و أخذت دليلاً ثابتا ًعلى تلك المصافحة من بقايا الزيت العالق بيديه حين تتعطل سيارته التي لا تعرف إلا العطل أما المشي فنادراً , انه يوصلك الى نصف المسافة وعليك أن توصله وسيارته دفعاً الى نهاية النصف الباقي , إما إذا صمم على توصيلها الى مهندسه المختص فأمري الى الله , وكم من مره ألاقيه وأنا عند محطة الأتوبيس يستحلفني بالله أن اركب معه , واستحلفه بالله أن يعفيني ولو هذه المرة فقط ويشغل غيره كموصل له ولسيارته التي لابد أن تتعطل .
و ألاحظ إن الأخ محمد العبد سيلحق بي , أنه يشكو من أستاذ بنفس الكلية الأمريكية لا يهضمه مطلقاً
_ طبعاً يا محمد أين له أن يهضمك و موقفك لنفس موقفنا من رواد الأماكن التي يرتادها مولانا .
_ لا بد أن المسألة غير ما تضن .
_ لا كما اضن بالتأكيد .
ويحاول أن يزيح تعبيرات الشعور بالمرارة من ملامحه فأشجعه و أقول :
_ كلنا لها يا محمد , ادي حال الدنيا .
ويبكي محمد , وإنها لدموع حارة تلك التي تتساقط , ويحسم الموقف شهيق ((عفاف)) لقد أوغلت هذه الطيبة في معرفة أحوالنا الخاصة .
_ يا سي محمد أنت راجل تريد تقاوم ولكن بلا سلاح .
_ يا بت بلاش فلسفة .
قاله و هو يمسح أدمعه وصوته يكاد يكون حشرجة ليس إلا .
_ والله مش فلسفة يا سي محمد , أنا والله نسيت حالي لما عرفت أحوالك , وأنت هلكتني شتم وضرب ونفسي مش راضية تسيبكم أبداً بس أوعوا تتفرقوا عن بعض والنبي حاتضيعوا الاثنين , يا خرابي يعني إنا اللي ما أسلم من خراب بيتي معليش يا سي محمد وأستحمل يا أستاذ هذا المتعجرف . وتقبل الحياة كما هي علشان اختلقت كده , أما هذا المسكين هذا اللي ما سمعتيش حتى كلمة أعملي الحاجة فلان .
_ هذا اللي مصبرك على شواية الحاتي .
ويضحك محمد ونضحك جميعاً . ميدان وثلاثة فرسان , و لكن بلا خيل إنها فروسية بالمعنى الصحيح لقد أمتطى كل منا صهوة مشاكله و لا مانع من أن تحل مشكليتهما على حسابي من حيث أشعر و لا أشعر بل الأكثر أن حل مشكلتي كان على حساب مشاكلهما و كم هي مدبره تلك الطيبة حين تلاحظ بقاءها في المنزل في بعض الأيام وقد مل محمد مواصلة الدارسة وهي تمد يدها بما توفره من صرفياتي الخاصة حين يشعرني بعضهم بأنهم سيصلون لتناول الغذاء معي في يوم سابق أو لنا ضيوفنا فتنتظر ان اعطيها أي مبلغ لتأتي باي شيء من السوق لأنقاذ الموقف , بل ما أشد دقة تصرفها وهي لا تعمل الزيادة الخاصة بالضيوف إلا إذا تواجد أكثرهم حتى لا يبقى الأكل إسرافاً .
قالت عفاف : خذ يا سي محمد , أنت لك أكثرهم و خذ يا سي عبدالله أنت على قدك .
_ إيه ده يا بت .. إنت ما تصرفي علينا و منين ؟
_ قلت لك بلاش عند .
_ وكمان فيها عنطزه .
قالها محمد بعد أن قام ليضربها .
_ إضرب يا خوي فش غليلك فيا , لكن الأستاذ المتعجرف لا.
_ يا بت بلاش طول لسان .
_ من غلبي من حرقتي عليك .. ذا أنت لا حا تطول مصر و لا حا تطول بلادك .
ثم تطرق الأستاذ عبدالله هادي سبيت الى موضوع أخر تحت عنوان هامشي (( بين المطرقة والسندان )) حيث قال :
لا جديد من أخبار المنطقة وطبعاً من الممكن أن تصلنا الأخبار أولاً بأول لأننا لا نزال في اذهان الناس , وقصة حرب القوات البريطانية لنا أعطتنا الأولوية في الأهتمام بشؤننا من جانب سائر الطوائف إلا من أن ذكرت من الأمراء المتبقين والسلاطين والمشايخ المتعاونين مع السلطات البريطانية , و حتى هؤلاء أنفسهم بداوا يشعرون إن الجو سيخلوا للسلطات البريطانية ولا بد من أن يتعرضوا لشيء من عنت الإنجليز وتعسفهم . إلا أن الجهات المناوئة لنا بذلت نشاط يكاد يكون محاصراً لسائر نشطاتنا هنا في القاهرة , ولكن السلطات المسئولة تعلم إن رصيدنا لا يزال ضخماً ولن ينقص منه شيء ولكنها تعلم أيضاً انه الى حين .
لقد وازنت و رأت إن جميع الأمكانيات المؤثرة في يد غيرنا .
فا الأمام احمد بكل ماله من ثقل لم يأل جهداً في أن يضع العراقيل أمام وجوهنا , و في نفس الوقت يتمسك بناء, إنه عنيد جداً بالنسبة لنا , إنه يعتقد بأننا أخطر عليه من كافة من أنشقوا عليه . اليس هو الذي رمى بالسيد عبدالله علي في سجن في مكتبة في تعز بلا إتصالات و لا أي نشاط واسع و لا حتى خروج الى الخارج مدينة تعز الا بأذن من الإمام و إبدا الأسباب و تحديد المدة , وذكر اسماء من سيتصل بهم .
و السلطات البريطانية بكافة أجهزة قدرتها تعمل جاهدة لتزويد الإمام خوفاً على خوف منا , و لتشعر السلطات في مصر أننا لا أهمية لنا مطلقاً و لا ثقل و لا أدنى وزن في مخيلة الجماهير , ولكم أضرت بناء تلك السلطات لأنها كانت تحرك الخيوط من بعيد من حيث يشعر و لا يشعر من كان يرى في طمس أثارنا بروزا له وبعثاً لسائر آماله التي كاد أن ييأس من تحقيقها , ولكم أضر بنا أبن بلدنا أكثر من ذلك الانجليزي الغادر لقد أضر بنا أبن جيشنا العربي الذي نتطلع اليه بأنه خيط الرجاء فاصبح الخيط الحاد جداً الذي يفصل الرأس عن الجسد في ابسط وقت وبأس حركة , وليت الأخوة حسبوا حساباً لكل ذلك , ليتهم اعطوا الأمام كل ما يحتفظون به من ضرر لأنه كان اشد ضرراً واخطر علينا من الأنجليزي نفسه .
كان علينا أن نعتبر ممن قبلنا , كان علينا أن نخشى الله ونتقيه في مصير شعب بأكملة لا قضية مصيرنا نحن الأفراد كان علينا من أجل ذلك أن نتنازل بعض الشيء عن عناد , اضطرت السلطات البريطانية الى أن تضربنا في الصميم و ليت هذا فحسب بل ستبقى الى الأبد تشعر بان أي ابراز لنا معناه القضاء على سمعتها بأكملها , وكان علينا على الأقل أن لا نضطر السلطات المصرية الى أن تحسب حساب قبل أن يتكرر معها نفس الموقف الذي كان منا أتجاه السلطات البريطانية فتصبح لنا غريماً .
وقال الأستاذ عبدالله هادي سبيت :
(( ونجلس جلسات وجلسات مع بعضنا , وجلسات و جلسات مع بعض المسئولين في مصر , و مشاكل مصر متعدد الأطراف و أمامها من الأعداء ما يشغلها عن أن تهتم بأمورنا , فقضية بلادنا ليست شيئاً امام معترك الموت والحياة في الجزائر , وحتى أن هي قلمت اضافر الأعداء وقلعت أنيابهم في معركة السويس الإ انهم لن يستسلموا و أمامهم طرق فسيحة و ميادين من الممكن فتحها لتجعل مصر مشغولة الى الأبد , زيادة على أن قضيتنا حساسة جداً جداً بالنسبة لمصالح بريطانيا في الخليج )).
وقال (( لقد تكررت جلساتنا مع بعض وكل واحد منا يلهث أنفاسة أنه في شوط طويل ذلك الذي يجب أن نقطعه , و أمامه العراقيل و علينا الأسراع و تحت رفع كل رجل استعداداً للخطر ووضعها الف خطر وخطر و لا بد من المشي و لا بد من الأسراع , أما التأمل فلم يكن لدينا إي وقت لنصرفه فيه أن وقتنا كله ذهب مشياً ووثباً وجرياً الى لا شيء .
لقد استطاعت السلطات البريطانية ان تجعل كافة السلاطين و المشايخ يؤمنون أن لا حياة لهم الا بالتمشي وفق ما تخطط لهم و أن كان ذلك التخطيط سيضربهم أنفسهم قبل غيرهم و فمنذ ذلك الحين بدات بريطانيا تفتت وتمزق الأواشج و الأواصر , منذ ذلك الحين استطاعت السلطات البريطانية أن تشعر السلاطين أن الخطر العظيم عليهم كامن في شكيمة القبائل ذاتها و لو عقلوا لعرفوا أن تلك الشكيمة الآنفة الذكر هي صمام أمان بقائهم على أرضهم وبقاء ارضهم لهم ولشعبهم و مع الأسف نفذت السلطات البريطانية أو بالأصح بدات في تنفيذ دراساتها المهيأة لتمزيق سلطة السلاطين و المشايخ فكل سلطان نائب يتصرف حسب مشورة الضابط السياسي , و لا يرجع الى السلطان لا في صغيرة و لا كبيرة , و قد يقول القائل : لماذا تعمدت السلطات البريطانية أن تحجب أي سلطان بنائبة , وكان بإمكانها أن تتصرف بواسطة السلطان نفسه ؟ و الجواب حتى لا يشعر كل فرد أن لا مركز له باق و أن عليه ان ينسى كل ما كان و يتكيف بالوضع الجديد فاذا كان السلطان نفسه لا يملك من أمره شيء فما بالك بالشيخ والعاقل و رئيس الأسرة ثم الأب وأبنه و الأخ وشقيقة و المرأة و أبنها , و أنىّ لسلطان أن يثور , وأنىّ لشيخ ان يحتج و أنىّ لعاقل أن يدعي العقل فليعيش مجنون غير عابىء بمستقبل مظلم يقطع جميع الصلات و الأواصر , و أنىّ لأي فرد أن يثور إذا تمرد عليه ابنه و قد اصبح للسطات البريطانية أيادي في كل ركن و زاوية , في المدرسة .. في الشارع .. في المنزل في الجرايد في المجلات في السينما , حصارو أي حصار يجعل الجميع تحت رحمة هذه السلطات العنيدة التي لا ترحم لأنها تعلم أنها لن ولن تجد أي رحمة من أي شعب يستطيع أن يفرض وجودة ويقف امامها موقف الند للند ومع الأسف الشديد لا الذين في الداخل استطاعوا أن يلمسوا هذا التدخل البريطاني السافر حتى في شئون الأسر في منازلهم و لا الذين في الخارج اولئك الذين تجمعوا ليتفرقوا )).
و قال : (( إذا كنا نحن المجموعة الصغيرة لا نجتمع الا في الأسبوعين مرة واحدة و ها نحن أصبحنا لا نجتمع الا مرة في الشهر طبعاً لماذا الأجتماع ونحن ندور في حلقة مفرغة )) .
وقال: (( و ها هم من كان بالأمكان أن يبرزوا أكثر منا , بدأوا يؤمنون بالأمر الواقع فمنهم من حدد أتصالاته بعدن ليعمل تجارياً من بعيد كالأستاذ احمد محمد نعمان سامحه الله و الأخ محمد محمود الزبيري لا يتواجد في القاهرة الا نادراً لنشاط ادبي مهما أفاد فلن يغير من الموقف شيئاً لأن جميع الظروف تخدم العدو المشترك الرجعية بأكملها بمختلف أشكالها و ألوانها و خير كبير اذا أجتمعنا شهرياً لأن غيرنا لا يجتمعون حتى في النصف سنه , لأن هذا لم يتواجد أكثر من ذاك بدأ يهتم بتدريس أولاده و أولاد أقاربه , وكأنه وكالة من الوكالات لأن المسألة لم تعدت أولاد أو أولاد الاقارب الى أولاد الجيران و من له سابق تعرف به .. و من تعرف بهذا الأخير )).
و قال : (( سلسلة متصلة شغلت أذهان البعض وطبعاً لا بد من تفريغ طاقات المرء الفكرية في أي عمل و الا لأشرف الواحد على الجنون , هل يعني هذا أن القضيتين قد ضاعتا في الخضم ؟؟ .
لم تكن هناك قضيتان .. أنها قضية واحدة و قضية شعب عربي واحد بلى هناك في البلاد التي نالت قسطاً من العلم و المعرفة يمكن أكملوا تعلمهم و شعروا أن عليه أن يغيروا حتى من ملامح بلادهم و افكار أهلها و ما كان منهم إلا جاروا ظلمات بعضها فوق بعض وبلى هنا في الشمال والجنوب مستعمر وضع يده في يد الرجعية و تعاونا على خنق هذا الشعب المغلوب على أمره القابع في هذه المنطقة ينشد السلام ولو على ايدي تجار الحروب ليشعلوها فيما بعد حرباً ياتي على الأخضر و اليابس , أما من هم يحيطون بالشمال من كل جانب , فكيف أن الرجعية المسيحية الممثلة في هيلاسلاسي قد اصبحت تطمع في أن تكون لها في القريب العاجل دعائم لبذر المسيحية في الشمال والجنوب الى هذا الحد طمع الأنجليز بهيلاسلاسي وجعلوه يكسبهم جولة بعد جولة في حرب لن تكفهم بعد الأن شيئاً
و أن كان و لا بد فببعض الشيء ولكن الأخير لقد نزح الى جيشة كثيرون )).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق